روسيا تهدد بحظر واتساب: الأسباب وتداعيات القرار

أعلنت السلطات الروسية، يوم الجمعة، أنها تدرس بجدية خيار حظر تطبيق المراسلة الفوري الشهير "واتساب" بشكل كامل داخل أراضيها، موجهة اتهامات مباشرة للتطبيق بعدم اتخاذ إجراءات كافية للتصدي للأنشطة الإجرامية. ويأتي هذا التهديد في وقت تكثف فيه موسكو جهودها لدفع المواطنين الروس نحو استخدام المنصات الرقمية المحلية المدعومة من الدولة، في خطوة يراها مراقبون جزءاً من استراتيجية "الإنترنت السيادي".
اتهامات بالإرهاب والاحتيال
صرحت الهيئة الفيدرالية للرقابة على الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في روسيا "روسكومنادزور" بأن تطبيق واتساب يُستغل حالياً "للإعداد لأعمال إرهابية داخل البلاد وتنفيذها، بالإضافة إلى تسهيل عمليات الاحتيال والجرائم الإلكترونية التي تستهدف المواطنين الروس". وأكدت الهيئة في بيان شديد اللهجة: "إذا لم يلتزم تطبيق الرسائل بالتشريعات الروسية ومتطلبات الأمن القومي، فسيتم حظره بالكامل"، مشيرة إلى أن الحظر الجزئي المفروض منذ أغسطس الماضي على إجراء المكالمات عبر المنصة قد يتطور إلى حجب شامل.
سياق الصراع بين موسكو وميتا
لا يعد هذا التهديد حدثاً معزولاً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة الصراع المستمر بين الكرملين وشركة "ميتا" الأميركية المالكة للتطبيق. ففي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، صنفت محكمة روسية شركة "ميتا" كمنظمة "متطرفة"، مما أدى إلى حظر منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام" في البلاد. ومع ذلك، نجا "واتساب" حينها من الحظر نظراً لتصنيفه كأداة اتصال خاصة وليس منصة لنشر المعلومات العامة، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى نفاد صبر السلطات الروسية تجاه التطبيق الأكثر شعبية في البلاد.
تعزيز الرقابة والبدائل المحلية
يرى محللون وخبراء في الحقوق الرقمية أن هذه الخطوة تهدف بشكل أساسي إلى إجبار المستخدمين الروس على الهجرة الرقمية نحو منصات محلية مثل "فكونتاكتي" (VK) وتطبيقات أخرى تخضع لرقابة صارمة من الدولة. وتطالب موسكو التطبيقات الأجنبية بتخزين بيانات المستخدمين الروس على خوادم داخل روسيا، وإتاحة هذه البيانات لأجهزة إنفاذ القانون عند الطلب، وهو ما ترفضه "واتساب" عادةً استناداً إلى سياسة التشفير التام بين الطرفين (End-to-end encryption).
مخاوف حقوقية وتداعيات القرار
يثير التلويح بالحظر مخاوف واسعة لدى النشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين، حيث يُخشى أن يؤدي الاعتماد القسري على التطبيقات المحلية إلى توسيع نطاق رقابة الدولة، مما يسهل استهداف المعارضين لسياسات الكرملين أو المنتقدين للحرب في أوكرانيا. ويشكل هذا التوجه تكريساً لمفهوم العزلة الرقمية، حيث تسعى روسيا للتحكم الكامل في تدفق المعلومات والاتصالات داخل حدودها، بعيداً عن نفوذ شركات التكنولوجيا الغربية العملاقة.



